معزوفة تارتيني (هزة الشيطان) ... ومعزوفة العرب (هزة الغباء)






غوسيبي تارتيني...عازف كمان وملحن إيطالي عاش في القرن الثامن عشر له مئات الأعمال الموسيقية , وكانت معظم أعماله عزف منفرد على ألة الكمان , وأشهر معزوفة له على الإطلاق هي معزوفته التي أسماها (هزة الشيطان) , ولهذا المسمى قصة وهي أن تارتيني حلم ذات يوم وهو نائم بأنه أقام عهداً مع الشيطان , وباع نفسه للشيطان الذي عرف كل أمنياته ,وبعد إنتهاء الحديث مع الشيطان عن الأماني -في الحلم- , قام الشيطان بطلب ألة الكمان من تارتيني وحاول العزف عليه , حين إستمع تارتيني لعزف الشيطان أنبهر ببراعته في العزف إلى درجة حبس الأنفاس , وعندما إستيقظ تارتيني من حلمه قام بتدوين معزوفة الشيطان التي سمعها في حلمه , وعلى الرغم من إنبهار الجمهور بها عندما إستمعوا لها , إلا أن تارتيني عبر عن أسفه قائلاً ( ان ما عزفته لكم بعيداً تماماً عن ما كان في الحلم).
وقد يكون تارتيني أختلق هذه القصة لكي يجذب الجمهور لها , رغم أن المعزوفة لم تكن بحاجة لمثل هذا الإسلوب فهي فعلاً كانت مبهرة , وما يشد إنتباهي لهذه القصة أن الشيطان عندما تكون هزته مقطوعة موسيقية في غاية العذوبة والجمال , فما هو المنتج الذي تقدمه لنا هزة الغباء التي تصيب عقولنا العربية , فقبح الغباء لا يمكن أن يتوافق مع جمال الموسيقى , ومن المنتج تعرف المصدر , فنحن نلقي كل اللوم على الشيطان الذي جعلنا خاملين ولا نلتفت للغباء الذي تتغذى عليه عقولنا , نخدع أنفسنا ونخلق ألف سبب وسبب لتبرير تخلفنا وضعفنا و جهلنا , وكل هذه الأسباب التي نخلقها نقوم بتبرئة أنفسنا من خلالها ,  والبحث عن جهة أخرى نلقي اللوم عليها , لدرجة أننا أصبحنا نؤمن بنظرية المؤامرة أكثر من إيماننا بأنفسنا وبربنا وبرسولنا وبكل ما نمتلك , وجدنا بها الحل الأمثل لكل مشاكلنا , فمع كل حدث يحدث يكشف مدى تشوهنا الأخلاقي والحضاري , ويصرخ بنا ( أنتم أمة متخلفة ) , نستجلب نظرية المؤامرة ونقوم بنسج قصص خيالية وتحليلات منطقية جداً لكي نقنع عقولنا بأننا فعلاً نتعرض لمؤامرة , وعندما نقتنع نمسك بطرف اللحاف ونعود للنوم في الأحلام , منتظرين حدثاً أخر لكي نبرره بنظرية المؤامرة , ولا نقاوم هذه المؤامرة رغم علمنا بها , وللأسف أن نظرية المؤامرة تقوم على ترثنا الديني والتاريخي والإجتماعي  , فنحن فعلياً جزء مشارك بهذه المؤامرة التي تحاك علينا (في وهمنا) ولكن نتعامى عن هذه الجزيئة , فالهدف الرئيسي من إستجلاب نظرية المؤامرة هو تبرئتنا مما يحدث بنا وليس إدانتنا , لذلك يتم التعامي عن هذه الجزئية .
وختاماً ... كما هز الشيطان تارتيني وأنتج معزوفته (هزة الشيطان)... نحن هزنا الغباء فأنتجنا (نظرية المؤامرة)

تعليقات

  1. تحليل رائع بالذات حين ذكرت من المنتج تعرف المصد

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من المستفيد من تواجد داعش؟

نعم ... نريد الوصول للمرأة