تهجير المسيحيين من الموصل ... ودفع الجزية
بعد التهجير الحاصل في الموصل للمسيحيين من أهل الارض وإحراق كنائسهم بحجة أنهم غير مسلمين من قبل تنظيم داعش ، يستوجب علينا الحديث عن الجزية بشكل تاريخي وتحليلي ومحاولة تبني المفهوم الذي يتوافق مع قيّم عصرنا الحالي وقيّم الإسلام الحقيقي.
مصطلح الجزية لم يولد مع الإسلام ، بل كان موجوداً من قبل الرسالة السماوية التي إنزلت على محمد ﷺ ،
و مصطلح جزية هو تعريب للمصطلح الفارسي ( كزيت ) ، ويعني الخراج المفروض من الدولة على الشعب للإستعانة به على قضاء حوائج الحروب التي تدخلها الدولة ، وهذا النظام ( الجزية ) نظام فارسي الأصل ، وكانت كلمة الجزية مؤذية بالنسبة للعرب بسبب الأنفة والعزة التي كانت تخالج النفس العربية ، ولنا فيما حدث بين عمر بن الخطاب وقبيلة تغلب (النصرانية) دليل في ذلك ،
"ولقد طلبت قبيلة (تغلب) العربية الكبيرة من أمير المؤمنين عمر: أن يسقط عنهم (الجزية) لأنهم قوم عرب يأنفون من قبول كلمة (جزية) وليأخذ منهم ما يشاء باسم الزكاة أو الصدقة، وقد تردد في أول الأمر، ثم قَبِل ذلك؛ لأن المقصود أن يدفعوا للدولة ما يثبت ولاءهم ومشاركتهم لها في الأعباء. ومن هنا رأى أن العبرة بالمسميات والمضامين، لا بالأسماء والعناوين"
اما فيما يخص الإستشهاد بقوله تعالى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
فيجب علينا دراسة الوضع السياسي والإجتماعي للدولة الإسلامية التي كانت قائمة بقيادة الرسول ﷺ عند نزول هذه الآية ، فعند نزول هذه الآية الكريمة كانت الجزيرة العربية قد دانت للإسلام عقدياً و سياسياً ، و عندما قامت دولة الروم بحشد عسكري قرابة المائة الف جندي لغزو المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية ثم كان الخروج لهم إستباقاً وحدثت معركة مؤتة
فكانت هذه الآية لهذا الموقف الخاص وليست عمومية مطلقة ، "فكانت مختصة بهذه الفئة من أهل الكتاب الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ونكثوا العهود، فلا يدينون دين الحق، ومن ثم اختاروا القتال، ولهذا فإن قبولهم بالجزية ليس إلا سبيلا لإنهاء حالة الحرب، وحقن الدماء، ومع هذا فلا تفرض الجزية عليهم فرضا، فهو عقد رضائي وليس من النظام العام يفرض فرضا"
ولهذا قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه اعتراض نصارى تغلب على الجزية ووافقهم على طلبهم التعامل بنظام الزكاة رغم أنهم نصارى ، فالجزية عقد بين الحاكم والمحكومين بدفع الخراج للحرب لتوفير الامن لكل من يخضع لهذه السلطة ولا يمكن للعقود بين طرفين أن تكون بصيغة الإجبار وإنما بصيغة الرضاء بين المتعاقدين
ولنا في القرأن الكريم الكثير من الآيات الدالة على أن الحرب (الجهاد) ليست إلا على من إعتدى ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} وأيضاً قوله تعالى {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا}
ولنا أيضاً في معاملة الرسول ﷺ مع يهود المدينة المنورة شاهد في ذلك ، فهو لم يطلب منهم الجزية بل وأعتبر يهود بني عوف أمة من المؤمنين ، وهذه هي رسالة الإسلام الحقيقية القائمة على التعايش مع الأخر وتقبل كل ماهو مختلف عنه ، فلم يأتي الإسلام لتهجير وتنفير الإنسان من أرضه ووطنه تحت حجة الدعوة الى دين الله ،
فهل نترك ما هو واضح ومتوافق مع قيّمنا الإنسانية ومتوافق مع مبادئ الإسلام العامة في القرأن ونستشهد بآية نزلت في فئة خاصة ؟
تعليقات
إرسال تعليق