السعودية ... وبعض العرب



كان هناك رجل وله عدة أخوة ، تجمعه معهم رابطة الدم والنشأة والعقد الثقافية ، وكان لكل منهم أرض يسكنها ويرتزق منها هو وعائلته المحدودة ، وكانت أرض هذا الرجل أرض قاحلة وكثيراً مامرت به أحوال عانى من شظف العيش بها ، وبعد فترة أكتشف هذا الرجل على أرضه كنز إستثمره من أجل أن يوفر لعائلته حياة كريمة ، وبالفعل نجح في ذلك الإستثمار ، تطور وتقدم بسرعة الضوء ، ورغم ذلك لم يكن ينسى أخوته بل كان يعينهم كلما تطلب الأمر ذلك ، ومع مرور الزمن وتوالي الأوقات خرجت فئة بين أفراد عوائل أخوة هذا الرجل يرون أن لهم الحق في مشاركته بأمواله وكنزه ، ويحاسبونه على كل ما يدفعه وينفقه لمصلحة أرضه عائلته الصغيرة ، وكان مبررهم بذلك عقدة الدم التي تربطهم وعقدة الثقافة والنشأة ، وحين لا يستجيب لهم ذلك الرجل كانوا يسخرون منه ويذكرونه بحالة الضعف التي كان يعيش بها ، فهم لا يرضون بكل الأحوال ، إن أنفق عليهم لم يشكروا لانهم يرون أن لهم حق بذلك المال وإن لم ينفق سخطوا وسخروا من ماضيه الجائع .
هذا القصة تكونت في ذهني وأنا أرى نظرة بعض الأخوة العرب إلى ممتلكات ومقدارت الخليج ، وخصوصاً بعد زيارة السيد ترمب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لموطني المملكة العربية السعودية ، فقد حصل الكثير من الهجوم والتقليل من هذه الزيارة ، وفتحت كشوفات وحسابات لمحاسبة السعودية على مصروفاتها التي لم تقدمها السعودية لأمريكا كهبة بل قدمتها في ضوء صفقات وعقود تعود بالنفع على السعودية ، وليس مجالي هنا أن أبحث عن الجدوى الإقتصادية لذلك ، لكن لفت إنتباهي ردة الفعل في نظرة أولئك الأخوة العرب ، فمن أين أتت لهم دافعية التشريع التي يرون من خلالها الحق في محاسبة السعودية على أموالها وكيف تنفقها ؟
تناقشت مع أحد الأصدقاء فقال إنها بدافع الغيرة والحقد والحسد ، ولكن لا أتفق معه في ذلك فهذه المشاعر الفردية لا يمكن أن تتشكل في ذهنية فئة من مجتمع لتشكل ظاهرة لمجرد أحاسيس بشرية فردية ، وخصوصاً أن الطرف الأخر هو دولة وليس فرداً ، أعتقد أن مثل هذه الظاهرة تحتاج  إلى علماء إجتماع لبحثها وتفنيدها والوصول لمسببتها فعلاً  ، فهل للتفكير الأممي أوالقومي الذي عانت منه الذهنية العربية أثر في ذلك ؟
فالذهنية العربية في العهد الحديث أنعتقت من التفكير الأممي بعد سقوط الدولة العثمانية ثم تلقفتها يد التفكير القومي وبعد سقوط مشروع القومية العربية عادت إلى حضن التفكير الأممي من جديد ، وكما هو معلوم أن كلا الفكرتان لاتعترف بالحدود وتطمح في توحيد المنطقة كدولة واحدة ، وهذا ورب الأرباب حلم أقرب للمستحيل من دخول إبليس للجنة حالياً ، فنحن الأن في عصر الدولة القطرية التي ترتكز على حدودها كمشروعية لها ، وبسبب هذا التفكير الذي سيطر على الذهنية العربية طوال عقود ، قد نجد مسبباً لهذه النظرة من الأخوة العرب  ، فمن هنا تنطلق مشروعيتهم بأن هذه الأموال ليست ملكاً لدول الخليج لأن لهم الحق بسبب أنهم أمة واحدة أو أصحاب قومية واحدة ، هذا ما تمليه علي وجهة نظري التي قد تكون قاصرة كرأس قلم لدوافع المشروعية لهذا الشعور ، أما وجهة نظري حيال الشعور ذاته فهي تملي علي أن أرفض أي وصاية على وطني من خارجه أو مشاركة في موارده ومقدراته ، فلكل دولة حق مشروع في أن تصرف مقدراتها بما تراه يعود بالنفع عليها خارجياً داخلياً ، وليس من حق أي دولة مهما قربت أو بعدت ومهما كان عدد العقد التي تربطها بدولة أخرى أن تأخذ حق في مشاركتها بمقدراتها و ممتلكاتها  ، سيبقى وطني متقدماً ومتطوراً ولن يلتفت لمثل هذه الأصوات التى أن أعطيت لم تشكر وإن لم تعطى سخطت وسخرت.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معزوفة تارتيني (هزة الشيطان) ... ومعزوفة العرب (هزة الغباء)

من المستفيد من تواجد داعش؟

نعم ... نريد الوصول للمرأة