محاكم التفتيش بين الهرطقة ... والزندقة



محكمة التفتيش مصطلح تم إطلاقه على السلطة القضائية التي أسستها الكنيسة الكاثولكية خلال القرون الوسطى في اوروبا أو بالأصح القرون المظلمة ، وكانت مهمة محاكم التفتيش هي البحث والتقصي عمن يأتي برأي أو بحث جديد على مسامع العالم المسيحي في ذلك الوقت وعرضه على هذه المحكمة ، وعند عدم قبوله يتم إتهام صاحب هذا الرأي أو البحث الجديد بتهمة الهرطقة ، ثم تُنزل به أقسى العقوبات إلى درجة لا يتصورها العقل في بعض المحاكمات.

وبحكم أن هذا الكون مشترك فنحن أيضاً كمسلمين في عالمنا  لدينا ما يشبه تلك المحاكم مع وجود بعض الفروقات ، من هذه الفروقات مسمى التهمة ففي العالم المسيحي تطلق عليها هرطقة أوخروج عن أمر الرب وفي عالمنا يطلق عليها زندقة أو الردة عن دين الله ، أيضاً من أهم وأخطرهذه الفروقات هو صاحب الصلاحية في الإدعاء عليك بمثل هذه التهم ، ففي العالم المسيحي كانت محكمة التفتيش المرتبطة بالباباوات هي الوحيدة التي تملك صلاحية الإدعاء على المتهم بالتهمة ، أما في عالمنا فالصلاحية مخولة لأغلب من يشهد أن لاإله إلا الله وأن محمد رسول الله ، ففي عالمنا الفضاء رحب بإطلاق تهمة الزندقة والردة عن دين الله لكل من لا يتوافق معك برأي أو يأتي برأي جديد ، في عالمنا قد يكون كل مسلم محكمة تفتيش تحاكم على كل لفظ وفعل لا يتوافق معه بل تجاوز الأمر إلى المحاكمة على النوايا ، ولنا في التاريخ الإسلامي القديم والحديث العديد من الشواهد , إنطلاقاً من  بشار بن برد الذي تم جلده بالسياط بتهمة الزندقة حتى جاء أجله ، مروراَ بعبدالله بن المقفع الذي تم تقييده وتقطيع أعضائه وهو حي يراها تلقى في فرن متقد بسبب فساد دينه حتى جاء أجله ، إنتهاء غير منتهي بأبي يعقوب الكندي الذي ضرب وجلد وأتلفت أعماله  وإبن رشد الذي أحرقت أعماله لما تحويه من الزندقة ، هذه نزر يسيرمن حوادث التاريخ القديم ، أما التاريخ الجديد فيأتي مقتل المفكر المصري فرج فودة بإطلاق الرصاص عليه وهو خارج من مكتبه كأحد أبرز حوادث محاكم التفتيش في العصر الحديث ، والملفت في الأمر أن قاتل فرج فودة في التحقيقات ذكر انه لم يقرأ لفرج فودة أي حرف لكنه سمع انه مرتد فقتله ، هذا القاتل نصب نفسه محكمة تفتيش فتلقى التهمة وقام بتنفيذ العقوبة ، وأيضاً لا ننسى حادثة إعدام السياسي السوداني محمود محمد طه مؤسس الحزب الجمهوري السوداني وصاحب مجموعة أفكار أطلق عليها مسمى الفكرة الجمهورية ، فقد حوكم هو الأخر بتهمة الردة وتم إعدامه في عهد جعفر النميري.
كل هذا حدث ويحدث وسيحدث ونحن كمسلمين لازلنا نتوهم أننا أفضل من أروبا حينما كانت غائرة في العصور المظلمة ، نحن نجيد ترديد مقولة لا كهنوت في ديننا ولكن الحقيقة أن كل شخص أصبح يمثل كهنوت خاص به ، تعج مواقع التواصل والقنوات التلفزيونية بمحاكم تفتيش مصغرة تلقي بتهم الردة والزندقة بفوضوية مطلقة ، والسبب في ذلك يعود إلى أن الأغلب يرى أنه هو الوصي على الدين وليس الدين وصي به ، الأغلب يرى أنه الوحيد الذي يمثل الحق المطلق وهو الناطق الرسمي والمتفرد برغبة إسم الله ، الأغلب يسير على الأرض كمحكمة تفتيش مصغرة تفقد قدرة التنفيذ وحين تتاح لها القدرة ستقوم بتنفيذ الحكم القضائي بأي إنسان يطرح طرحاً فكرياً مختلفاً عنه ومعه ، نحتاج إلى مفكرين تنويريين ينتشلوننا من هذا الظلام المحيط بنا ، نحتاج إلى أن نكون فعلاً بلا كهنوت ، نحتاج إلى أن نتقي الناس بدين الله لا أن نتقي دين الله بالناس ، نحتاج إلى حرية كفلها لنا الله والعقل ، نحتاج إلى نور وفي إنتظار النور ... ألقاكم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معزوفة تارتيني (هزة الشيطان) ... ومعزوفة العرب (هزة الغباء)

من المستفيد من تواجد داعش؟

نعم ... نريد الوصول للمرأة